ما بين موازنة عوض الجاز .. وتفسير سيدنا يوسف!!.

هل منكم من يذكر آيات محكمات من سورة يوسف ، وهي مكية وعدد آياتها 111 ، مائة وأحد عشر آية ، وقد تذكرتها ونحن في شهر نوفمبر وهو الشهر الحادي عشر ميلاديا، ووزير المالية د. عوض الجاز يستقبل أسرة آخر لحظة لساعتين ونصف وإن رفض خلالها الإستجابة للتحدث عن سمات موازنته لعام 2009 وأخبارها الحسنة والسيئة إن وجدت ، ملتزما بخلق وأعراف هي محل التقدير كونه سيقدم مشروع موازنته لمجلس الوزراء اليوم الخميس ، وبالطبع لا يجوز أن يقرأ مجلس للوزراء في أي بلد سمات موازنة من الصحف ، فقدرنا ذلك. وعودة لسورة يوسف وما تذكرته ، وسأقول لاحقا لماذا ، يقول تعالى : قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ . ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ . ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ . صدق الله العظيم .. تذكرت ذلك بعد خروجنا ، وقد اسهب وزير المالية في تفسير تداعيات الأزمة العالمية علينا سلبا وإيجابا ، وبين السلبي ضربها لفجاج أسعار النفط وبالتالي لما كان يضخه في عروق إقتصادنا بما يقترب من نصف مداخيل الموازنة، وبين الإيجابي أننا وفي خضم جرحاها وصرعاها من الدول نبدو ضمن قائمة قصيرة لم تتأثر فيها المصارف ولم تشح الأسواق من سلعة ، ولم ينهار سوق العقارات ....الخ . ولكن دكتور الجاز ، وبصورة أقوى ظل يشدد على شراكة الإعلام في مرحلة يحتاج فيها الوطن لرافعة كبرى لتقل أنماط سلوكه بل وتفكيره مع الإقتصاد ، وقد طرقت ذلك في سيناريو أول أمس بعنوان : شجون شراكته المنسية ، وسأعود اليه عبر مؤشرات قريبا . صحيح أن وزير المالية أحجم عن سمات موازنته ، ولكني وفي طريق العودة إستوقفني سؤال عابر قال به في غضون أحد الإجابات بطريقة ( أولاد البلد ) ، فقال : ( يعني خليك قاعد في مكاني دا .. تسوي شنو ؟ ). ولكن إحجامه لا يمكن أن يكون ذريعة بأن لا نتحدث عن الصورة القادمة لميزانيته ، ولكن وفي المقابل ، بأن لا نتناولها مستعينين بثقافة التقلية وأم فتفت ، فالشأن شأن إقتصاد ، وليس مباريات لكرة القدم بين شبيبة القبائل والمريخ أو القطن والهلال حيث النصر والهزيمة رهن أقدام اللاعبين ولياقتهم الذهنية . مع الإقتصاد تكون السيادة للأرقام ، ومع الأرقام يكون سيد المنصة والمتحدث الرئيس ليس عوض الجاز ولا المؤتمر الوطني ، ولكنها الأزمة المالية العالمية التي قلت لكم من نيويورك في الشهر قبل الماضي ،وهي طازجة في بداياتها ، وخلال مناقشات اللجنة الإقتصادية بالكونغرس لها ، أن رئيس تلك اللجنة قال وبالحرف : هذه الأزمة ليست مثل إعصار كاترينا ، وعلينا أن نعترف أن هذه الأزمة لم يصنعها الإله أو الطبيعة ، ولكننا صنعناها بأنفسنا ، بالجشع الذي طغى على أصحاب الحاجات من المواطنين ، وعلى صناع القرار بالمصارف ...الخ. سمات ميزانياتنا القادمة ستتأثر يا سادتي ، ولكنه تأثر يجب أن يفتح العيون على ثروات البلد التي تحتاج لإستنهاض الطاقات الكامنة فيها على منصة جديدة من إستنهاض العقول ، وعلى إدارة جديدة للسياسة تقنع أن هذا الوطن يمكن أن يكون أحد منافذ الإستثمار الأجنبي بعد أن سحبت الأزمة المالية تاج الأمان والإئتمان من أكبر إقتصاد في العالم . ولكن التأثر ذاته خشم بيوت كما أسلفنا ، وبقلب المؤمن أرى فيه خيرا سيمر من بوابة الشدة ، ولم لا ، أليست تلك هي سنن الحياة ؟ وأقرأوا تفسير يوسف في الآيات السابقة أعلاه وهي لرؤيا رآها عزيز مصر ، وإن كنت أتمنى أن لا يأخذ الأمر كما في تلك الرؤية سبع سنين ، وأن تنفرج لنا مواردنا بعون من إدارة سياسية جادة لا توقف الوطنية على تعاريف بعض أهل الإنقاذ لها ، لنجد أنفسنا في وطن واسع يأتينا فيه عام يغاث فيه الناس وفيه يعصرون . فتسود أيام مواطننا الطيب والصبور السنون المخاصيب كما يقول القرطبي، في تفسيره وتأتينا الأعوام التي فيها يغاث الناس وفيها يعصرون ، ويفسرها إبن جرير بأنها أيام الغيث والمطر وعصر العنب . وأرجو أن لا يغضب أحد من مسألة عصر العنب هذه ، فذلك ما قالته التفاسير .

من عمود سيناريو للصحفى الراحل حسن ساتى
الرحمة والمغفرة له